١ آب (أغسطس) ٢٠٠٤بقلم
أشرف شهاب تبحر سفينة الحياة الزوجية وسط بحر من الأمواج المتلاطمة التى تكاد تعصف بالسفينة وركابها. فمرة تلطمها أمواج الغيرة ومرة تتخبط فى صخور الكذب. ومرات ومرات يكون ضعف الزوجين عن تحمل مسئولية قيادة السفينة سببا فى تخبطها والقضاء عليها. كل تلك الظواهر السلبية تنتشر فى أوساط العديد من الأسر خصوصا عندما يكون الزوجان شابان لا يمتلكان لا الخبرة الكافية ولا الحنكة اللازمة للحفاظ على حياتهما الزوجية. مراسلنا فى القاهرة أشرف محمود يبحر معكم فى هذا التحقيق حول أمراض الحياة الزوجية:
لطالما استمعنا جميعا إلى أزواج يشتكون من زوجاتهم وزوجات يشتكين من أزواجهن. وكل طرف يحاول تحميل المسئولية فى الخطأ على الطرف الآخر. ولمحاولة علاج المشكلة يلجأ أحد الطرفين إلى الكذب أو إلى تبرير تصرفاته الخاطئة بدوافع واهية غير مقنعة للطرف الآخر. وقد أثبتت العديد من الدراسات ان الكذب والغيرة الزائدة عن الحد بين الزوجين تؤدى فى النهاية إلى عواقب وخيمة.
يؤكد حسن البدراوى (36 سنة – مهندس اتصالات) أن أكثر خلافاته الزوجية تأتى بسبب غيرة زوجته عليه. ويقول إن زوجته بدأت تحاصره بغيرتها الشديدة منذ الأسابيع الأولى من زواجهما. فهو بحكم طبيعة عمله يتعامل مع أوساط تتواجد فيها سيدات وعندما يعود إلى المنزل تبدأ زوجته فى فتح باب التحقيقات معه حول مقابلاته، وتحاول أن تعرف منه كل صغيرة وكبيرة عن أحاديثه وتصرفاته أثناء العمل مع زميلاته فى الشركة. وحتى عندما يخرجان سويا تكون عيناها فى أغلب الأحوال مركزة عليه حتى تراقب نظراته وحركات عينيه وأسلوب حديثه مع البائعات فى المتاجر التى يقصدونها. ورغم أن غيرتها عليه بدأت منذ أيام الخطوبة إلا أنه كان يعتقد أن سبب ذلك انهما غير متزوجان بعد، وأنها تخشى عليه من الفتيات الأخريات. وكان يظن أن زواجهما سيجعلها تدرك أنه يحبها ويفضلها على بقية النساء إلا أن الأمور زادت عن حدها عندما بدأت تتصل به فى العمل. وتزداد الأمور سوءا إذا تأخر فى يوم من الأيام عن العودة إلى المنزل فى مواعيده العادية لأى سبب. وحول أسلوب تعامله مع زوجته لتخفيف حدة الغيرة يقول انه يحاول دائما أن يؤكد لها أنه يحبها بشدة وأنه لا توجد أى إمرأة اخرى يمكنها أن تلفت نظره وأنه لن يستغنى عنها وعن حياتهما لأى سبب. كما أنه يلجأ دائما إلى مصارحتها بكل تفاصيل تحركاته حتى تتأكد وترتاح نفسيا من هذه الغيرة. ويواصل حسن البدراوى القول إن هذه التصرفات من جانبه نجحت إلى حد كبير فى تخفيف حدة غيرتها عليه إلا أنلم ينجح فى القضاء على هذه الغيرة من جانبها.
أما فرج السيد (بائع – 42 سنة) فيقول إن ظروف عمله كبائع فى محل للأقمشة تجعل أكثر تعاملاته مع سيدات. ومن هنا فهو عرضة مستمرة لإتهامات زوجته ومشاعر الغيرة الزائدة عن الحد. ويقول إن زوجته تبدى ضيقها الدائم من عمله وهى تتمنى لو كان يستطيع أن يغير مهنته ليتعامل مع الرجال فقط. ورغم أنه من النوع المحافظ على الصلاة وملتزم بتعاليم الدين إلا أنها لا تشعر بالارتياح لعمله واختلاطه المستمر مع السيدات. وقد وصل بها الأمر إلى تفتيش جيوبه فى بعض الأوقات على أمل أن تعثر على أى دليل يؤكد صحة تشككاتها، ويثبت لها أنها محقة فى غيرتها عليه، إلا أنها فشلت فى مهمتها بسبب إلتزامه. وقد أدى هذا الأمر إلى مشاجرات كثيرة بينه وبين زوجته فى بداية حياتهما الزوجية إلا أنها وبعد نحو 12 عاما من الزواج والأولاد بدأت تخفف من مشاعر الغيرة إلى حد كبير. ولكن هذا لا يمنع على حد قوله من ظهور المشاكل بين وقت وآخر. ويرى فرج أن هذه طبيعة لدى المرأة لا يمكن تغييرها. فالمرأة بحكم طبيعتها تخشى على زوجها من الوقوع تحت تأثير أى إمرأة أخرى. ولكن المفروض أن يكون هناك تحكم فى المشاعر وعدم تهور فى الشك والغيرة.
وبالطبع لا تقف الغيرة عند حدود المرأة فقط بل هى عادة مشتركة يمارسها الأزواج الرجال أيضا. وتقول فريدة محمد (بائعة – 26 سنة) إنها عانت كثيرا من غيرة زوجها عليها قبل الزواج وبعده، لدرجة أن غيرته كانت فى وقت من الأوقات تحمل معنى الشك فى تصرفاتها وسلوكياتها. وفى بعض الأحيان كان زوجها يعتبر أى تصرف منها دليلا على أحقيته فى أن يغار عليها. فإذا تزينت عند خروجها فالأمر محل شك، وإذا اتصل بها صاحب العمل فى المنزل ليبلغها بشىء ما فإنها تخضع لتحقيقات مطولة من جانب زوجها عن الأسباب والدوافع التى تجعل صاحب العمل يتصل بها، وغير ذلك من الأفكار التى كانت تنغض حياتهما. وكان زوجها يطالبها بالتوقف عن العمل على أن يقوم هو بالإنفاق على المنزل، ولولا أن ظروفه الاقتصادية لا تسمح له بتنفيذ هذا القرار لكانت قد جلست فى البيت منذ زمن طويل. وتعليقا على سؤالنا تقول أنها برغم أنها محجبة - حسب رغبة زوجها- إلا أن زوجها يعتبر أن الرجال ذئاب ولن يمنعهم من النظر إليها حجابها أو كونها إنسانة محافظة. وهو يعتقد أن المشكلة أنه لا يستطيع أن يمنع الآخرين من النظر إليها.
ومن الواضح أن هذه المظاهر من الغيرة تعتبر أمراضا أكثر منها مجرد غيرة عادية يمكن أن تكون غيرة صحية تشعل نار الحب بين الزوجين. ففى بعض الأحيان تكون الغيرة الخفيفة حسب تقديرات (دعاء مهدى – 24 موظفة غير متزوجة) كالبهارات بالنسبة للحياة بين الزوجين. فهى تؤكد لكل طرف أن الطرف الآخر ما زال يحبه ويهتم به. وهى تقول أنه فى بعض الأحيان يجب على الزوجة أو الزوج أن يشعر شريكه بأنه يغار عليه لأن انعدام الغيرة أيضا ظاهرة غير صحية. وإذا شعرت الزوجة من جانبها مثلا أن زوجها لا يغار عليها فإن الحب سيفتر فى قلبها لأنها ستشعر أنه غير مهتم بها. وهى تقول إنها عندما ترتبط بالرجل المناسب فإنها ستراقب تصرفاته وإذا لم يكن يشعرها بغيرته عليها فإنها ستتصرف من وقت لآخر بطريقة تستثير غيرته حتى تربط قلبه بقلبها وتجعله يفعل كل ما فى وسعه للاحتفاظ بها. وتعقب دعاء على سؤال من جانبنا بالقول إن الغيرة كأى شىء فى الحياة يجب أن يكون هناك قدر معين منها. فإذا زادت الأمور عن حدها إنقلبت إلى ضدها. فقليل من الغيرة يمكن أن يفيد ولكن الغيرة الزائدة عن الحد ستفسد الأمور. وبالتالى يجب أن يتحكم كل طرف فى مشاعره تجاه الطرف الآخر. ويكون كل شىء فى حدوده الصحية حتى لا تظهر المشاكل وتتزايد إذا فقد أحد الطرفين السيطرة على مشاعره.
قلت لها أعتقد أن هذا لعب بالنار، وأن من الأفضل أن لا يلجأ أى طرف إلى استخدام أسلوب يثير الطرف الآخر، لأن الغيرة مارد يؤدى للشك، وإذا تواجد الشك فإنه سيجد التربة الخصبة لينمو من خلال أى تصرف حتى لو كان هذا التصرف بريئا وغير مقصود. وتتفق دعاء مع وجهة النظر هذه إلا أنها تصر على أنها لا تستطيع أن تتصور أن ترتبط برجل لا يغار عليها أو يتصرف معها بطريقة لا تشعرها بأنه يغار عليها. وتقول إن الغيرة علامة من علامات الحب. ولا بد أن يكون هناك ثقة بين الطرفين حتى تكون كل الأمور فى إطارها الصحيح أما إذا كان الطرفين يفتقدان القفة فى بعضهما البعض فإن أى تصرف أو خطأ أو مشكلة بسيطة من المشاكل العادية التى تحدث بين أى زوجين يمكن ان تؤدى إلى تدمير هذه الزيجة. وهى تقول إن أهم مواصفاتها فى زوج المستقبل أن يكون أمينا عليها وأن يثق بها وتثق به.
وتحكى دعاء عن إحدى صديقاتها المتزوجات قائلة إنها متزوجة من رجل غيور بطريقة جنونية لدرجة أنه يفرض على زوجته أن لا تخرج إلى أى مكان إلا برفقته حتى يكون على دراية تامة بكل ما يحدث. وحتى عندما تذهب للتسوق فإنها يرافقها. وأن هذه الزوجة تشعر بالحرج البالغ بسبب تصرفات زوجها، خصوصا إذا كانت تريد شراء أى مستلزمات نسائية. وفى بعض الأحيان يقوم هو بشراء مستلزماتها نيابة عنها حتى لا تتعرض للاحتكاك بالرجال أو النساء. وتقول إن صديقتها تعانى جدا من أسلوب زوجها وأنها فى أحيان كثيرة لا تستطيع أن تزور صديقاتها وتمتنع عن حضور العديد من المناسبات الاجتماعية بسبب غيرة زوجها عليها وعدم رغبته فى مفارقتها لأى سبب. وحتى عندما يخرج إلى العمل فإنه يتصل بها بين كل وقت وآخر. وإذا كان فى المنزل ودق جرس التليفون فإنه يسارع إلى الرد خوفا من ان تكون هناك معاكسات تليفونية لزوجته.
ومن الواضح أن علاقة مثل هذا الرجل بزوجته تعبر عن أزمة حقيقية. وهذا مثال على أن الغيرة يمكن ان تتحول إلى مرض يفتك بالزوج وبأعصاب الزوجة ويحيل حياتهما إلى جحيم.
ونحن بالطبع لا ندعو الأزواج والزوجات إلى عدم الغيرة ولكننا ندعو الجميع إلى الاعتدال فى المشاعر والتصرف بحكمة والبحث عن أسلوب أقل حدة فى التعبير عن الحب. فالغيرة ليست وحدها الدليل على حب الرجل لزوجته أو حب الزوجة لزوجها.